سورة يوسف - تفسير تفسير الخازن

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (يوسف)


        


{ولما بلغ أشده} يعني منتهى شبابه وشدته وقوته، وقال مجاهد: ثلاثة وثلاثون سنة، وقال الضحاك: عشرون سنة وقال السدي: ثلاثون سنة، وقال الكلبي: الأشد ما بين ثمان عشرة إلى ثلاثين سنة وسئل مالك عن الأشد فقال: هو الحلم {آتيناه حكماً وعلماً} يعني آتينا يوسف بعد بلوغ الأشد نبوة وفقهاً في الدين وقيل حكماً يعني أصابة في القول وعلماً بتأويل الرؤيا وقيل الفرق بين الحكيم والعالم أن العالم هو الذي يعلم الأشياء بحقائقها والحكيم هو الذي يعمل بما يوجبه العلم وقيل الحكمة حبس النفس عن هواها وصونها عما لا ينبغي والعلم هو العلم النظري {وكذلك} يعني وكما أنعمنا على يوسف بهذه النعم كلها كذلك {نجزي المحسنين} قال ابن عباس: يعني المؤمنين وعنه أيضاً المهتدين، وقال الضحاك: يعني الصابرين على النوائب كما صبر يوسف {وراودته التي هو في بيتها عن نفسه} يعني أن امرأة العزيز طلبت من يوسف الفعل القبيح ودعته إلى نفسها ليواقعها {وغلقت الأبواب} أي أطبقتها وكانت سبعة لأن مثل هذا لفعل لا يكون إلا في ستر وخفية أو أنها أغقلتها لشدة خوفها {وقالت هيت لك} أي هلم وأقبل، قال أبو عبيدة: كان الكسائي يقول هي لغة لأهل حوران رفعت إلى الحجاز معناها تعال، وقال عكرمة أيضاً بالحوارنية: هلم، وقال مجاهد وغيره: هي لغة عربية وهي كلمة حث وإقبال على الشيء وقيل هي بالعبرانية وأصلها هيتالج أي تعال فعربت فقيل هيت لك فمن قال إنها بغير لغة العرب يقول إن العرب وافقت أصحاب هذه اللغة فتكلمت بها على وفق لغات غيرهم كما وافقت لغة العرب الروم في القسطاس ولغة العرب الفرس في التنور ولغة العرب الترك في الغساق ولغة العرب الحبشة في ناشئة الليل وبالجملة فإن العرب إذا تكلمت بكلمة صارت لغة لها وقرئ هئت لك بكسر الهاء مع الهمزة ومعناها تهيأت لك {قال} يعني يوسف {معاذ الله} أي أعوذ بالله وأعتصم به وألجأ إليه فيما دعوتني إليه {إنه ربي} يعني أن العزيز قطفير سيدي {أحسن مثواي} أي أكرم منزلتي فلا أخونه وقيل إن الهاء في إنه ربي راجعة إلى الله تعالى والمعنى يقول إن الله ربي أحسن مثواي يعني أنه آواني ومن بلاء الجب نجاني {إنه لا يفلح الظالمون} يعني إن فعلت هذا الفعل فأنا ظالم ولا يفلح الظالمون، وقيل: معناه أنه لا يسعد الزناة.


قوله عز وجل: {ولقد همَّت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه} الآية، هذه الآية الكريمة مما يجب الاعتناء بها والبحث عنها والكلام عليها في مقامين الأول في ذكر أقوال المفسرين في هذه الآية قال المفسرون: الهمّ هم المقاربة من الفعل من غير دخول فيه، وقيل: اللهم مصدر هممت بالشيء إذا أردته وحدثتك نفسك به وقاربته من غير دخول فيه فمعنى قوله ولقد همَّت به أي أرادته وقصدته فكان همهما به عزمها على المعصية والزنا،
وقال الزمخشري: همَّ بالأمر إذا قصده وعزم عليه قال الشاعر وهو عمرو بن ضابئ البرجمي:
هممت ولم أفعل وكدت وليتني *** تركت على عثمان تبكي حلائله
وقوله: {ولقد همَّت به} معناه ولقد همت بمخالطته وهم بها أي وهم بمخالطتها لولا أن رأى برهان ربه جوابه محذوف تقديره لولا أن رأى برهان ربه لخالطها قال البغوي وأما همه بها فروي عن ابن عباس أنه قال حلّ الهميان وجلس منها مجلس الخائن، وقال مجاهد: حل سراويله وجعل يعالج ثيابه، وهذا قول أكثر المفسرين منهم سعيد بن جبير والحسن وقال الضحاك: جرى الشيطان بينهما فضرب بيده إلى جيد يوسف وبيده الأخرى إلى جيد المرأة حتى جمع بينهما، قال أبو عبيده القاسم بن سلام: وقد أنكر قوم هذا القول قال البغوي: والقول ما قاله قدماء هذه الأمة وهم كانوا أعلم بالله أن يقولوا في الأنبياء من غير علم، قال السدي وابن إسحاق: لما أرادت امرأة العزيز مراودة يوسف عن نفسه جعلت تذكر له محاسن نفسه وتشوقه إلى نفسها فقالت: يا يوسف ما أحسن شعرك، قال: هو أول ما ينتثر عن جسدي، قالت: ما أحسن عينيك، قال: هي أول ما يسيل على خدي في قبري، قالت: ما أحسن وجهك، قال: هو للتراب يأكله. وقيل: إنها قالت له إن فراش الحرير مبسوط قم فاقض حاجتي قال: إذن يذهب نصيبي من الجنة. فلم تزل تطمعه وتدعوه إلى اللذة وهو شاب يجد من شبق الشباب ما يجده الرجل وهي امرأة حسناء جميلة حتى لان لها لما يرى من كلفها به فهم بها ثم إن الله تدارك عبد ه يوسف بالبرهان الذي ذكره وسيأتي الكلام على تفسير البرهان الذي رآه يوسف عليه الصلاة والسلام فهذا ما قاله المفسرون في هذه الآية أما المقام الثاني في تنزيه يوسف عليه الصلاة والسلام عن هذه الرذيلة وبيان عصمته من هذه الخطيئة التي ينسب إليها. قال بعض المحققين: الهم همان فهم ثابت وهو ما كان معه عزم وقصد وعقيدة رضا مثل هم امرأة العزيز فالعبد مأخوذ به وهم عارض وهو الخطرة في القلب وحديث النفس من غير اختيار ولا عزم مثل هم يوسف فالعبد غير مأخوذ به ما لم يتكلم أو يعمل به ويدل على صحة هذا ما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يقول الله تبارك وتعالى:
«إذا هم عبد ي بسيئة فلا تكتبوها عليه فإن عملها فاكتبوها عليه سيئة واحدة وإذا هم بحسنة فلم يعملها فاكتبوها له حسنة فإن عملها فاكتبوها له عشرة» لفظ مسلم وللبخاري بمعناه.
(ق) عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فيما يرويه عن ربه عز وجل قال: «إن الله كتب الحسنات والسيئات ثم بين ذلك فمن هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله له عنده حسنة كاملة فإن هم بها وعملها كتبها الله له عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة ومن همّ بسيئة ولم يعملها كتبها الله له عنده حسنة وإن هو هم بها فعملها كتبها الله له عليه سيئة واحدة» زاد في رواية أو محاها «ولن يهلك على الله إلا هالك» قال القاضي عياض في كتابه الشفاء فعلى مذهب كثير من الفقهاء المحدثين إن هم النفس لا يؤاخذ به وليس سيئة وذكر الحديث المتقدم فلا معصية في هم يوسف إذن وأما على مذهب المحققين من الفقهاء والمتكلمين فإن الهم إذا وطنت عليه النفس كان سيئة وأما مالم لم توطن عليه النفس من همومها وخواطرها فهو المعفو عنه هذا هو الحق فيكون إن شاء الله هم يوسف من هذا ويكون قوله وما أبرئ نفسي الآية أي ما أبرئها من هذا الهم أو يكون ذلك على طريق التواضع والاعتراف بمخالفة النفس لما زكي قبل وبرئ فكيف وحكى أبو حاتم عن عبيدة أن يوسف عليه الصلاة والسلام لم يهم وأن الكلام فيه تقديم وتأخير أي ولقد همت به ولولا أن أري برهان ربه لهمّ بها وقال تعالى حاكياً عن المرأة ولقد راودته عن نفسه فاستعصم وقال تعالى: {كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء} وقال تعالى: {وغلقت الأبواب وقالت هيت لك قال معاذ الله} الآية وقيل في قوله وهم بها أي بزجرها ووعظها وقيل هم بها أي همه امتناعه وقيل هم بها أي نظر إليها وقيل هم بضربها ودفعها وقيل هذا كله كان قبل نبوته وقد ذكر بعضهم ما زال النساء يملن إلى يوسف ميل شهوة زليخا حتى نبأه الله فألقى عله هيبة النبوة فشغلت هيبته كل من رآه عن حسه هذا آخر كلام القاضي عياض رحمه الله، وأما الإمام فخر الدين فذكر في هذا المقام كلاماً طويلاً مبسوطاً وأنا أذكر بعضه ملخصاً، فأقول قال الإمام فخر الدين الرازي: إن يوسف عليه الصلاة والسلام كان بريئاً من العمل الباطل والهم المحرم وهذا قول المحققين من المفسرين والمتكلمين وبه نقول وعنه نذب فإن الدلائل قد دلت على عصمة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ولا يلتفت إلى ما نقله بعض المفسرين عن الأئمة المتقدمين فإن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام متى صدرت منهم زلة أو هفوة استعظموها وأتبعوها فإظهار الندامة والتوبة والاستغفار كما ذكر عن آدم عليه السلام في قوله ظلمنا أنفسنا الآية وقال في حق داود عليه الصلاة والسلام فاستغفر ربه وخر راكعاً وأناب وأما يوسف عليه الصلاة والسلام فلم يحك عنه شيئاً في ذلك في هذه الواقعة لأنه لو صدر منه شيء لأتبعه بالتوبة والاستغفار ولو أتى بالتوبة لحكى الله ذلك عنه في كتابه كما ذكر عن غيره من الأنبياء وحيث لم يحك عنه شيئاً علمنا براءته مما قيل فيه ولم يصدر عنه شيء كما نقله أصحاب الأخبار ويدل على ذلك أيضاً أن كل من كان له تعلق بهذه الواقعة فقد شهد ببراءة يوسف عليه السلام عما نسب إليه واعلم أن الذين لهم تعلق بهذه الواقعة يوسف والمرأة وزوجها والنسوة واللاتي قطعن أيديهن والمولود الذي شهد على القميص شهدوا ببراءته والله تعالى شهد ببراءته من الذنب أيضاً.
أما بيان أن يوسف ادعى براءته مما نسب إليه فقوله هي راودتني عن نفسي، وقوله: {رب السجن أحبّ إليّ مما يدعونني إليه} وأما بيان أن المرأة اعترفت ببراءة يوسف ونزاهته فقولها: أنا راودته عن نفسه فاستعصم، وقولها: الآن حصحص الحق أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين. وأما بيان أن زوج امرأة اعترف أيضاً ببراءة يوسف فقوله: {إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم يوسف أعرض عن هذا واستغفري لذنبك إنك كنت من الخاطئين} وأما شهادة المولود ببراءته فقوله: {وشهد شاهد من أهلها} الآية وأما شهادة الله له بذلك فقوله تعالى: {كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين} ومن كان كذلك فليس للشيطان عليه سلطان بدليل قوله: {لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين} وبطل بهذا قول من قال إن الشيطان جرى بينهما حتى أخذ بجيده وجيد المرأة حتى جمع بينهما فإنه قول منكر لا يجوز لأحد أن يقول ذلك. وأما ما روي عن ابن عباس: إنه جلس منها مجلس الخائن فحاش ابن عباس أن يقول مثل هذا عن يوسف عليه الصلاة والسلام ولعل بعض أصحاب القصص وأصحاب الأخبار وضعوه عن ابن عباس، وكذلك ما روي عن مجاهد وغيره أيضاً فإنه لا يكاد يصح بسند صحيح وبطل ذلك كله وثبت ما بيناه من براءة يوسف عليه الصلاة والسلام من هذه الرذيلة والله أعلم بمراده وأسرار كتابه وما صدر من أنبيائه عليهم الصلاة والسلام.
فإن قلت: فعلى هذا التقدير لا يبقى لقوله عز وجل لولا أن رأى برهان ربه فائدة.
قلت: فيه أعظم الفوائد وبيانه من وجهين أحدهما: أنه تعالى أعلم يوسف أنه لو همّ بدفعها لقتلته فأعلمه بالبرهان أن الامتناع من ضربتها أولى صوناً للنفس عن الهلاك الوجه، الثاني: أنه عليه الصلاة والسلام لو اشتغل بدفعها عن نفسه لتعلقت به فكان في ذلك أن يتمزق ثوبه من قدام وكان في علم الله أن الشاهد يشهد بأنه ثوبه لو تمزق من قدام لكان يوسف هو الخائن وذا تمزق من خلف كانت هي الخائنة فأعلمه الله بالبرهان هذا المعنى فلم يشتغل بدفعها عن نفسه بل ولى هارباً فأثبت بذلك الشاهد حجة له لا عليه وأما تفسير البرهان على ما ذكره المفسرون في قوله تعالى: {لولا أن رأى برهان ربه} فقال قتادة وأكثر المفسرين: إن يوسف رأى صورة يعقوب عليه السلام وهو يقول له يا يوسف أتعمل عمل السفهاء وأنت مكتوب من الأنبياء. وقال الحسن وسعيد بن جبير ومجاهد وعكرمة والضحاك: انفرج له سقف البيت فرأى يعقوب عاضاً على أصبعه، وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس: مثل له يعقوب فضرب بيده في صدره فخرجت شهوته من أنامله وقال السدي نودي يا يوسف أتواقعها إنما مثلك لما لم تواقعها مثل الطير في جو السماء لا يطاق عليه وإن مثلك إن واقعتها كمثله إذا وقع على الأرض لا يستطيع أن يدفع عن نفسه شيئاً ومثلك ما لم يتواقعها مثل الثور الصعب الذي لا يطاق ومثلك إن واقعتها كمثله إذا مات ودخل النمل في قرنه لا يستطيع أن يدفع عن نفسه وقيل إنه رأى معصماً بلا عضد عليه مكتوب {وإن عليكم لحافظين كراماً كاتبين يعلمون ما تفعلون} فولى هارباً ثم رجع فعاد المعصم وعليه مكتوب {ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا} فولى هارباً ثم عاد فرأى ذلك الكف وعليه مكتوب {واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله} الآية ثم عاد فقال الله تعالى لجبريل عليه السلام أدرك عبد ي يوسف قبل ان يصيب الخطيئة فانحط جبريل عاضاً على أصبعه يقول يا يوسف أتعمل عمل السفهاء وأنت مكتوب عند الله من الأنبياء وقيل إنه مسه بجناحه فخرجت شهوته من أنامله قال محمد بن كعب القرظي رفع يوسف رأسه إلى سقف البيت فرأى كتاباً في حائط فيه {ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا} وفي رواية عن ابن عباس أن رأى مثال ذلك الملك، وعن علي بن الحسين قال: كان في البيت صنم فقامت المرأة إليه وسترته بثوب فقال لها يوسف عليه السلام لم فعلت هذا قالت استحييت منه أن يراني على معصية فقال لها يوسف أتستحيين مما لا يسمع ولا يبصر ولا يفقه شيئاً فأنا أحق أن أستحيي من ربي فهرب فذلك قوله لولا أن رأى برهان ربه أما المحققون فقد فسروا البرهان بوجوه الأول، قال جعفر بن محمد الصادق: البرهان هو النبوة التي جعلها الله تعالى في قلبه حالت بينه وبين ما يسخط الله عز وجل الثاني البرهان حجة الله عز وجل على العبد في تحريم الزنا والعلم بما على الزاني من العقاب الثالث إن الله عز وجل طهر نفوس الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من الأخلاق الذميمة والأفعال الرذيلة وجبلهم على الأخلاق الشريفة الطاهرة المقدسة فتلك الأخلاق الطاهرة الشريفة تحجزهم عن فعل ما لا يليق فعله {كذلك} يعني كما رأيناه البرهان كذلك {لنصرف عنه السوء} يعني الإثم {والفحشاء} يعني الزنا، وقيل: السوء مقدمات الفحشاء وقيل السوء الثناء القبيح فصرف الله عنه ذلك كله وجعله من عباده المخلصين وهو قوله: {إنه} يعني يوسف {من عبادنا المخلصين} قرئ بفتح اللام ومعناه أنه من عبادنا الذين اصطفيناهم بالنبوة واخترناهم على غيرهم وقرئ بكسر اللام ومعناه أنه من عبادنا الذين أخلصوا الطاعة لله عز وجل.


قوله تعالى: {واستبقا الباب} وذلك أن يوسف عليه الصلاة والسلام لما رأى البرهان قام هارباً مبادراً إلى الباب وتبعته المرأة لتمسك عليه الباب حتى لا يخرج والمسابقة طلب السبق فسبق يوسف وأدركته المرأة فتعلقت بقميصه من خلفه وجذتبه إليها حتى لا يخرج فذلك قوله عز وجل: {وقدت قميصه من دبر} يعني شقته من خلف فغلبها يوسف فخرج وخرجت معه {وألفيا سيدها لدى الباب} يعني فلما خرجا وجدا زوج المرأة قطفير وهو العزيز عند الباب جالساً مع ابن عم المرأة فلما رأته المرأة هابته وخافت التهمة فسبقت يوسف بالقول {قالت} يعني لزوجها {ما جزاء من أراد بأهلك سوءاً} يعني الفاحشة ثم خافت عليه أن يقتله وذلك لشدة حبها له فقالت {إلا أن يسجن} أي يحبس في السجن ويمنع التصرف {أو عذاب أليم} يعني الضرب بالسياط وإنما بدأ بذكر السجن دون العذاب لأن الحب لا يشتهي إيلام المحبوب وإنما أرادت أن يسجن عندها يوماً أو يومين ولم ترد السجن الطويل وهذه لطيفة فافهمها فلما سمع يوسف مقاتلها أراد أن يبرهن عن نفسه {قال} يعني يوسف {هي راودتني عن نفسي} يعني طلبت مني الفحشاء فأبيت وفررت وذلك أن يوسف عليه الصلاة والسلام ما كان يريد أن يذكر هذا القول ولا يهتك سترها ولكن لما قالت هي ما قالت ولطخت عرضه احتاج إلى إزالة هذه التهمة عن نفسه فقال هي راودتني عن نفسي {وشهد شاهد من أهلها} يعني وحكم حاكم من أهل المرأة واختلفوا في ذلك الشاهد، فقال سعيد بن جبير والضحاك: كان صبياً في المهد فأنطقه الله عز وجل وهو رواية عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «تكلم أربعة وهم صغار ابن ماشطة وابنة فرعون وشاهد يوسف وصاحب جريج وعيسى ابن مريم» ذكره البغوي بغير سند والذي جاء في الصحيحين «ثلاثة عيسى بن مريم وصاحب جريج وابن المرأة» وقصتهم مخرجة في الصحيح قيل كان هذا الصبي شاهد يوسف ابن خال المرأة. وقال الحسن وعكرمة وقتادة ومجاهد: لم يكن صبياً ولكنه كان رجلاً حكيماً ذا رأي، وقال السدي: هو ابن عم امرأة فحكم فقال {إن كان قميصه قد من قبل} أي من قدام {فصدقت وهو من الكاذبين}.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8